سورة العصر - تفسير التفسير الوسيط

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (العصر)


        


{وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ (3)} [العصر: 103/ 1- 3].
هذه سورة جامعة لأصول الخير والنجاة عند اللّه تعالى، قال الإمام الشافعي رحمه اللّه: لو تدبر الناس هذه السورة لوسعتهم، لو لم ينزل غير هذه السورة لكفت الناس، لأنها شملت جميع علوم القرآن.
وأخرج الطبراني في الأوسط، والبيهقي في الشعب عن أبي حذيفة- وكانت له صحبة- قال: كان الرجلان من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه تعالى عليه وآله وسلّم إذا التقيا، لم يتفرقا، حتى يقرأ أحدهما على الآخر سورة: والعصر ثم يسلّم أحدهما على الآخر.
وفيها إشارة إلى حال من لم يلهه التكاثر، ولذا وضعت بعد سورته.
ومعناها: أقسم بالعصر: وهو الدهر أو الزمان الذي يمر به الناس، لما فيه من العبر وتقلبات الليل والنهار، وتعاقب الظلام والضياء، وتبدل الأحداث والدول، والأحوال والمصالح، مما يدل على وجود الصانع عز وجل، وعلى توحيده وكمال ذاته وقدرته وصفاته. أقسم بذلك على أن الإنسان (أي اسم الجنس) لفي خسارة وهلاك وسوء حال، في المتاجر والأعمال، والمساعي والأفعال، إلا من استثناهم اللّه فيما يأتي.
وهذا القسم بالدهر دليل على شرفه وأهميته، لذا قال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم- فيما أخرجه مسلم عن أبي هريرة رضي اللّه عنه-: «لا تسبّوا الدهر، فإن اللّه هو الدهر» أي خالقه.
والآية، كما ذكر الرازي، كالتنبيه على أن الأصل في الإنسان أن يكون في الخسران والخيبة، وذلك بيّن غاية البيان في الكافر، إنه خسر الدنيا والآخرة، وذلك هو الخسران المبين، وأما المؤمن- وإن خسر في دنياه أحيانا، كالتجارة، والهرم ومقاساة شقاء الدنيا- فذلك لا يعد شيئا في جانب فلاحه في الآخرة، وربحه الذي لا يفنى.
ثم استثنى اللّه تعالى من جنس الإنسان من اتصف بصفات أربع، حيث يجمع له الخير كله، وهذه الصفات:
- هي الإيمان الصحيح بالله عز وجل وبملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقضاء والقدر، خيره وشره، حلوه ومره، والشر في المقضي بحسب تقدير الإنسان عاجلا، أما في المستقبل، أو في علم اللّه تعالى فلا شر في القدر.
- والمداومة على العمل الصالح: وهو أداء الفرائض وبقية الطاعات، وفعل الخيرات، وترك المحرمات، وترداد الباقيات الصالحات وهي سبحان اللّه، والحمد لله، ولا إله إلا اللّه، واللّه أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
- والتواصي بالحق وهو كل أمر ثابت صحيح خلاف الباطل: وهو الخير كله من الإيمان بالله عز وجل، واتباع كتبه ورسله عليهم السّلام، في كل عقد وعمل. قال الزمخشري: هو الخير كله. من توحيد اللّه، وطاعته، واتباع كتبه ورسله والزهد في الدنيا، والرغبة في الآخرة.
- والتواصي بالصبر عن المعاصي التي تشتاق إليها النفس بحكم الجبلّة البشرية، والصبر على الطاعات التي يشق على النفس أداؤها، وعلى ما يبتلي اللّه تعالى به عباده من المصائب.
والصبر المذكور داخل في الحق، وذكره بعده مع إعادة الجار والفعل المتعلق هو به، لإبراز كمال العناية به. والصبر: ليس مجرد حبس النفس عما تتوق إليه من فعل أو ترك، بل هو تلقي ما ورد منه عز وجل بالجميل والرضا به، باطنا وظاهرا.
واستدل بعض المعتزلة بما في هذه السورة، على أن مرتكب الكبيرة مخلد في النار، لأنه لم يستثن فيها عن الخسر، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات. إلخ، وأجيب عنه بأنه لا دلالة في ذلك على أكثر من كون غير المستثنى في خسر، وأما على كونه مخلدا في النار، فلا.
كيف والخسر عام، فهو إما بالخلود إن مات كافرا، وإما بالدخول في النار إن مات عاصيا، ويبقى بعد ذلك الإحالة إلى مغفرة اللّه تعالى، فهو سبحانه إن غفر المعاصي لم يخلد، وقد ورد في الحديث الثابت الذي أخرجه البزار عن أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه: أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «من قال: لا إله إلا اللّه، مخلصا دخل الجنة».